رغم أن العلاقات العامة وظيفة إدارية حديثة إلا أسسها ووسائلها ومعاير المشتغل بها لها أثار وعلامات مذكورة منذ القدم في القرآن ومصادر في السنة النبوية، العلاقات العامة في القرآن والسنة بقلم أحمد السيد.
العلاقات العامة في القرآن والسنة | أحمد السيد
ماهي العلاقات العامة
وظيفة العلاقات العامة من أحدث وظائف الإدارة والتي ظهرت في القرن العشرين الميلادي، وصارت لها إدارات مستقلة تحتل موقعاً متقدماً في هياكل المؤسسات، ثم تطورت في شكل وكالات مستقلة متخصصة في تقديم الخدمات للمؤسسات.
ووظيفة العلاقات العامة في المؤسسة تعني إيجاد تواصل جيد مع الجمهور والشخصيات المؤثرة والمؤسسات ذات الصلة.
أهداف العلاقات العامة
تهدف العلاقات العامة لفهم الجمهور واتجاهاته حتى تتمكن المؤسسة من تقديم رسالتها ومنتجاتها بالشكل المناسب الذي يقبله الجمهور.
وتعمل العلاقات العامة على تقديم صورة ذهنية جيدة وصحيحة عن المؤسسة ورسالتها، وإزلة العوامل التي تسبب سوء التفهم أو تشويه الصورة الذهنية.
وسائل العلاقات العامة
تستخدم العلاقات العامة وسائل متعددة للقيام بدورها ومن ذلك:
بحوث الرأي العام، وعمل الاستطلاعات، ونشر الإعلانات عبر وسائل الإعلام، وعقد المؤتمرات والمنتديات والأنشطة الإجتماعية، وكل ما يحقق التواصل والحوار والتفاهم.
وتحرص المؤسسات الكبرى على عمل علاقات عامة مع وسائل الإعلام والإعلاميين، ومع المسؤليين الحكوميين والبرلمانيين والسياسيين، ومع قادة الرأي من رموز وشخصيات، ومع رجال الأعمال والتجار والوسطاء، كما تحرص كذلك على عمل علاقات عامة مع الجمهور الداخلي للمؤسسة.
مؤهلات القائم بالعلاقات العامة
ينبغي للمشتغل بالعلاقات العامة أن يتصف بالذكاء الإجتماعي أي القدرة على فهم الأخر، ومن ثم التعامل معه بالشكل المناسب.
كما ينبغي للقائم بالعلاقات العامة أن يمتلك مهارات التحاور في الإقناع، وأن يتسم بحسن المظهر، وحسن الكلام، وبالمصداقية.
وينبغي للقائم بالعلاقات العامة أن يكون ملماً ببعض العلوم كعلم النفس والاجتماع والإدارة وعلوم الإحصاء، وتطبيقات التقنيات الإلكترونية التحليلية، بالإضافة لأدوات الذكاء الاصطناعي.
يحتاج القائم بالعلاقات العامة قدراً من الإبداع والخيال الخصب مع الصبر ومغالبة الصعاب.
إشارات القرآن الكريم عن العلاقات العامة
مهمة الرسل إبلاغ الناس بالإسلام، وهذا يدفعهم لعمل تواصل مع الناس عامة ومع الكبراء خاصة، وأن يجروا حوارات ونقاشات، مستخدمين الحجج الدامغة المقنعة، والتحدث بأحسن الكلام.
وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الإشارات والأوامر التي تشير إلى ذلك:
1- الأمر بالتواصل والتعارف والتهادي والتواجد بين الناس في الشوراع والأسواق والتجمعات، والنهي عن الإنعزال والقطيعة.
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”.
الحجرات 13
“وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ”.
النساء 86
“وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ”.
الفرقان 20
“قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ”.
النمل 34 – 35
“وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا”.
المزمل 10
2- الأمر بحسن المظهر عند التجمعات وبين الجمهور وارتداء نفس الملابس التي يرتديها القوم.
“خُذُوا زِينَتَكُمْ”.
الأعراف 31
“وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ”.
الأنعام 9
3 – الأمر بحسن القول وبالحكمة أي القول المناسب للشخص المناسب والحال المنسب، والأمر بالقول اللين، والتحدث بلغة القوم ولسانهم، واستخدام الفصاحة أو الاستعانة بمن هو أفصح منه، كما أمر بتجنب الكلمات التي تحدث الشقاق والتنافر وتقطع التواصل، وعدم الجدال إلا بالتي هي أحسن.
“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ”.
النحل 125
“ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ …. * فَقُولَا لَهُ ….”.
طه 43 – 44
“هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي”.
القصص 34
“لَا تَقُولُوا رَاعِنَا”.
البقرة 104
“بِلِسَانِ قَوۡمِهِ”.
إبراهيم 4
“وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ”.
الإسراء 53
4- الأمر بالتحارو مع الناس وخاصة الكبراء، واستخدام الحجة البالغة وفنون الإقناع، وقد حفل القرآن بحوارات الرسل مع الكبراء، وبقوة حجتهم مثل حوار موسى وفرعون، ومثل إبراهيم والنمرود، ومثل كافة الرسل مع كبراء قومهم.
“وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ “.
الأنعام 83
“اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى”.
النازعات 17
5- الحث على العلم والثناء على العلماء، فالعلم يؤدي إلى الاتقان والسرعة في الانجاز.
“أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ”.
النمل 40
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالعلاقات العامة ووسائلها
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على فتح قنوات التواصل والتكلم مع كل الناس من كبرائهم إلى ضعفائهم مع توجيه اهتمام خاص بالكبراء والشخصيات المؤثرة، واستخدم العديد من الوسائل لتحقيق ذلك ومنها:
1- إسماع الناس لأيات القرآن
وللقرآن تأثير خاص في العقل والوجدان، ولم يخف كبراء القوم إعجابهم ببلاغته وتفرده حتى كان سبباً لإسلام الكثيرين لمجرد سماعه.
أ- حرص النبي صلى الله عليه وسلم في مكة على الصلاة عند الكعبة وتلاوة القرآن بصوت مسموع.
ب- شهادة الوليد بن المغيرة عن القرآن.
“والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته”.
ج- تلصص أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث على بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا جديد القرآن.
2- الخطب والأشعار
أ- وقف النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا ليبشر بدعوة الإسلام بين أهل مكة.
ب- استعمال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من كبراء شعراء المدينة وكان شعرهم يطوف أنحاء البلدان العربية.
ج- سماح النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وهو أحد أكبر قادة الرأي بمكة أن يخطب في الناس.
3- المجالس والحوارات
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التحاور المستمر مع كبراء القوم رغم صدودهم، ومن أمثلة ذلك:
الحوار مع الوليد بن المغيرة زعيم دار الندوة
حواره مع عتبة بن ربيعة زعيم بني عبد شمس ( المشهور ب أفرغت يا أبا الوليد).
الحوار مع سهيل بن عمر زعيم دوس.
حواره مع عدي بن حاتم زعيم قبيلة طيئ.
الحوار مع وفد نجران النصراني.
4- التواجد اليومي
في مكة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة يومياً عند الكعبة مما سهل على الناس مقابلته ومحادثته، كما حرص صلى الله عليه وسلم في المدينة على التواجد اليومي عبر أداء الصلوات الخمس في المسجد النبوي.
5- اغتنام المواسم
حرص النبي على اغتنام مواسم الحج في كل عام وهو أكبر تجمع عربي ديني ثقافي تجاري، فكان يعرض نفسه على الوفود ويشرح دعوته.
6- صنع الموائد وتقديم الهدايا
أ- دعى النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين من بني هاشم وبني المطلب على مائدة طعام، ومن ثم إعلان دعوة الإسلام لهم.
ب- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التقارب مع زعيم قريش أبي سفيان، فكان يرسل له الهدايا لاستمالته والحد من عداوته.
ج- أعطى النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أعطيات كثيرة لكبراء قريش ليتألف قلوبهم نحو الإسلام.
7- مصاهرة زعماء القبائل
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مصاهرة زعماء القبائل لما في المصاهرة من أثار طيبة في التقارب ومنع الحروب بين القبائل المتصاهرة.
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من بنت زعيم قريش أبي سفيان، وبنت زعيم اليهود حيي بن أخطب وغيره.
وأمر بعض كبراء أصحاب بالزواج من بنات زعماء بعض القبائل.
8- اختيار سفراء يجيدون التواصل والعمل على مراسلة الملوك
أ- حرص النبي صلى الله عليه وسلم عند هجرة المسلمين إلى الحبشة أن يأمر عليهم جعفر بن أبي طالب، والذي تحاور مع ملكة الحبشة فأحسن شرح القضية وأحسن الثناء على الملك حتى انتهى الأمر بإسلام الملك نفسه.
ب- أرسل النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى يثرب ( الاسم القديم للمدينة ) وكان شاباً وسيماً، حسن الحديث، قوي الحجة، جيد التواصل، فأحسن المهمة والتي انتهت بإسلام أهل المدينة واستقبالهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومسلمي مكة.
ج- كتب النبي صلى الله عليه وسلم رسائل إلى كبار ملوك وأمراء العالم يدعوهم للإسلام، وأرسل سفراء مناسبين لهم صفات ضرورية منها:
يجيدون التحدث بلغة هؤلاء الملوك ولديهم خبرة ودراية بهذه البلاد وواقعها، ولديهم حدة في الذكاء و حسن التصرف وحسن التمثيل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مادة ممتازة